Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

مجلة آفاق تربوية ثانوية المسيرة الخضراء مكناس revue AFAK TARBAWIYA meknes lycée MASSIRA

ابتسامة القدر ـ سلمى حدوش

-------------------------- 0074-------------------------- 0073

ابتسامة القدر ـ سلمى حدوش


     تختلط الأرض بدموع وعرق الفلاحين, لتعطي ثمارا مختلفة ألوانها, ومتنوعة أشكالها, تعرض في الأسواق, وتصل إلى الأغنياء دون عناء أو شقاء, هذه هي حياة الفلاح.

 

     ولد مصطفى في شهر نونبر, عام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسين˛ بإحدى القرى المجاورة لمدينة الخميسات, كجميع قرى المغرب كانت قرية مصطفى الصغيرة تقبع تحت ظلال الفقر المدقع, لم تكن أسرته بالميسورة, بل أسرة فقيرة محدودة الدخل, أب فلاح بسيط, وأم تهتم بأشغال الكوخ الشاقة, مع ثلاثة إخوة لامعيل لهم سوى الله وما يحصل عليه الأب من بركة العمل في الحقل .

 

    كان مصطفى فتى صافي الوجه, طيب النفس, محبوب لدى جميع سكان القرية, وقد كان اكبر إخوته سنا. اضطر إلى مغادرة صفوف الدراسة في سن مبكرة. لم تكتمل فرحته في تحقيق طموحه بأن يدرس ويمتهن مهنة بسيطة حلمه غامض كأصداف محار في حدائق الأطفال.

 

    التحق بالعمل منذ نعومة أظافره في قطعة ارض أبيه الصغيرة, التي ورثها عن أجداده, لأنه لم يتحمل وضع إخوته الصغار, ومتطلباتهم التي ما فتئت أن تنقطع. وأباه الذي لم يعد يتحمل مشقة وعناء الأرض لوحده, نظرا لكبر سنه ومرضه المزمن.

 

     يخرج مصطفى إلى عمله بعد صلاة الفجر. فيكد ويجتهد, في وقت الظهيرة, تبدوا الشمس كعروس مشرقة تتوسط زرقة السماء الصافية. لكن بالنسبة لمصطفى, تتراءى له ككتلة ملتهبة بالنار, ترمي بالسنة اللهب على جسده الصغير. يقرأ كف السماء, وينتظر لعل السحب تتجمع لتحجب أشعة الشمس الحارقة, أو أن تجود السماء بقطرات من المطر, تروي ظمأ الأرض.

 

     ثم يعود إلى الكوخ البائس من الطين, الذي يتواجد بأعلى التل, كالعربيد من شدة الحر, تستقبله أمه فاطمة بابتسامة عريضة, ظاهرها فرح وانشراح وباطنها الم وحزن شديدان, هي امرأة في عقدها الثاني, سلب الزمن من جمالها ومحياها الكثير, ذات وجه شاحب, وعينان غائرتان, يتوسط حاجباها وشم, ملابسها رثة, إن أمعنت النظر فيها تراها ما تزال محتفظة بجمالها. تضع الحناء على عادة نساء القرية, اللواتي يخفين آثار الشقاء من أقدامهن وأيديهن من حين لأخر. هذه الأخيرة, تزوجت وهي في الخامسة عشر من عمرها, لأن الأعراف والتقاليد, تفرض تسلط الأصل على الفروع, وقبول ما يوافق عليه رب العائلة.

 

       مرت عشر سنوات من حياة مصطفى على هذا النحو, حتى يوم الثلاثاء, كان هذا اليوم سببا في حدوث تغيير جذري لحياته. يومها أتى وفد فرنسي مهم من مدينة القنيطرة, لاختيار مجموعة من الشباب, من أجل الدراسة والتجنيد في المراكز العسكرية الفرنسية. كان هذا بمثابة حلم تحقق. لأنه اختير من بين شباب القرية, بعد أن كان حلما صعب المنال, والوصول إليه ضرب محال.

 

      انتقل مصطفى إلى مدينة القنيطرة ليدرس هناك, كان يقدم كل ما في جعبته من طاقة, ليظفر بالمراتب التي تخول له إتمام الدراسة في الخارج. وبالفعل, وبفضل إصراره ودعوات أمه التي لا تنقطع. حصل على المرتبة الأولى.

 

     بعد خمس سنوات, عاد مصطفى إلى قريته. أصبح شابا يافعا, قوي البنية, دقيق الملامح, مفتول العضلات, وفور اقترابه من كوخهم, لمحت عيناه أمه جالسة بالقرب من بابه. كان ينتظر منها أن تجري لتأخذه بين أحضانها وتعانقه, لكن لم يصدر منها أي فعل, اعتقد أنها لم تبال بوصوله, حين اقترب منها قبل يدها.

 

فقالت: «من أنت»

 

    (حينها ترقرقت الدموع من عينيه) كانت تلامس وجهه محاولة بذلك أن تتعرف إليه, فلامست يدها دموعه على خده, أحست انه ابنها الذي غاب عنها طويلا.

 

فقال: «أنسيت من سهرت لأجله الليالي, ونافست الجمال في مولده, آه يا أماه, ما الذي حل بك».

 

أجابت: «لا أملك من الدموع ما يكفي لتكون بلسما لجروحي, فقد أسرفتها يوم أصبح أبوك تحت الصبر. في ذلك اليوم المشؤوم, لم نشأ أن نخبرك أنا وإخوتك, لأن هذه الفاجعة كانت لتقف أمام حلمك الذي سافرت لأجله».

 

انسابت دموع المسكين بكل غزارة وشدة. كان يريد رؤية فرحة والده, ويشعر بافتخاره واعتزازه به. لكن الموت لايعزف سوى على غيتارتة المعتوهة. جلس مصطفى تحت شجرة الزيتون وبدأ يردد:

 

رحلت يا أبي ولم يعد ليزورنا القمر

 

وبتنا كل يوم نذوق آلام السهر

 

ولم نعد نسمع تغاريد الطيور على أغصان الشجر

 

أتيت أحمل البشارة بعد طول سفر

 

فوجدت نفسي وحيدا أجتر الكدر

 

ففي بعدك يختفي نور القمر

 

أخيرا عاد مصطفى إلى ظلال عائلته وحضنها الناعم, الذي فارقه منذ سنين طوال. عانى فيها الأمرين, البعد عن الأسرة وفقدان الأب.  

 

        وجد كل شيء قد تغير. أخوه أحمد تكفل بالأسرة بعد وفاة الأب, وهو أيضا ترك دراسته. أما زينب فقد تزوجت في سن صغيرة. (حزن لأنه لم يحضر زفاف أخته الوحيدة). أما إدريس, الأخ الصغير, فقد أكمل دراسته الابتدائية, وأصبح فقيها في القرية, رغم أن راتبه قليل, ولا يكفي لمتطلبات الحياة, إلا انه يحاول إعانة أهله بكل جهد.

 

        مكث مصطفى مع أهله أياما معدودات. ثم ودعهم. وشد الرحال متجها إلى مدينة ليون الفرنسية, لإتمام دراسته والاشتغال في الوقت عينه. من اجل الهروب من كوابيس الفشل, التي قد تكسر سطح أحلامه.

 

هناك التقى بمريم, فتاة حسنة الوجه, بهية الطلعة, شعرها حريري ذهبي, رموشها طويلة, وأجفانها ساحرة, شفتاها ورديتان, وقوامها ممشوق, أعجب مصطفى بها, و أحبها حبا طاهرا نقيا. ولدت في فرنسا, وترعرعت فيها, أبوها مغربي, وأمها فرنسية الأصل. كان لمريم أثر ايجابي في حياته. لم تحسسه يوما بالفرق الاجتماعي بينهما, رغم أنها تنحدر من أسرة ميسورة وبادلته هي أيضا نفس الحب. بل أكثر. اتفقا على الزواج بعد أن يتمم مصطفى دراسته. ظل يجتهد ويعمل بكد, ليوفر لأسرته بعض ما تحتاجه لمتطلبات الحياة.

 

        أصبح مصطفى شخصية مهمة ومعروفة في فرنسا, وبالفعل استطاع أن ينتشل وضعه وأسرته من مخالب الفقر المدقع, الذي لازمهم طيلة عيشهم بالقرية, والواقع المر المصرف بالأحزان و الشجون, وأن يصل إلى بر الأمان.

 

        هو الآن, أب لطفلين من زوجته مريم, فبالرغم من أن الفقر كان هو السبب الرئيسي في بعد مصطفى عن دفئ أحضان أسرته, إلا انه كان السبب الرئيسي الذي جعل منه شخصية مهمة وفردا نشطا في المجتمع, وهكذا يمكننا اعتبار الفقر عملة ذات وجهين.

 

لذلك كانت تتردد في ذهن مصطفى عبارة:

 

  «لو كان الفقر رجلا لقتلته » ـ

Retour à l'accueil
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article